المملكة
كنت وأصدقائي صغارا عندما كنا نصنع ألعابا لا تكلفنا المال.. في حي شبه شعبي, سكانه أساسا من الطبقة العاملة.. معلمين وأساتذة, وسائقي باصات المؤسسات الكبرى.. وبعض من حصلوا على البيوت بالوساطة.. السكان مزيج من الأشياء المتناقضة: جارنا رجل في السبعين لكنه ما زال يحتفظ ببعض أناقته وبذلاته القديمة.. يخرج كل صباح مرتديا بذلة أنيقة ويحمل مظلة في يمناه وملفا أحمر. في يسراه, يسير على الجانب الأيمن للطريق, ولا يكلم أحدا تماما كالتلميذ المجتهد.. عمل الرجل موظفا دوليا, جاب العالم طولا وعرضا. وذات يوم ودون سابق إنذار وجد نفسه في الوزارة الأصل, ليس معه سوى ذكريات ومعطف جلدي وغليون وكلمات مهذبة..وبقايا من بقاياهم.. جارنا الآخر هو طبيب الأسنان الشهير "جان مليس" ننتظر عودته كل يوم لنرى طقوس دخوله الغريبة.. يتوقف هنيهة أمام المرآب لتفتح إحدى الخادمات, حتى إذا دخل جلس على مقاعد من خيزران في الفناء المرتب ترتيبا بديعا.. نرمقه بعيوننا الجائعة.. أحمل صديقي ليطل من فوق السور ويحملني فأنظر طعاما ملونا وكعكا واحتساءه الماء الأحمر بعد الأكل.. يتجشأ ويفعل أشياء أخرى ثم يتمدد علي مهد هزاز.. بعدما ينام نذهب إلى الزقاق الضيق.
خلف البيت نجد الماء الأحمر (هكذا كنا نسميه) قطرات حمراء في قاع الزجاجة ترمى خلف البيت كل يوم.. نتسابق لنشرب من ذلك الشراب الفرنسي, ونقهقه بعدها, ونتضارب بالأيدي ونسب بعضنا قبل أن نتوجه إلى لعبة "الحرب".
في لعبة الحرب كنا "المماليك" أنا ملك إلحي الشمالي ولكل جهة ملكها.. أما كيف أصبحت ملكا فلأن صديقي ذهب إلى أهله ليشرب ماء وتركني الآمرالناهي..لاحظت أنهم يحترمونني كالملك ففكرت في أنني لا اختلف عنه كثيرا وكنت يده اليمني فلم لاأكون الملك.. أقنعتهم بأن الملك كان يسبهم وأنا لن أفعل, وكان يأخذ منهم مصروف الجيب وانا لن أفعل, وكان يدخلهم في حروب غير مدروسة مع الجيران وانا لن أفعل..تهللت اساريرهم وقالوا وهم يرفعون السيوف والحراب: عاش الملك.. عندما رأيت صديقي عائدا يفرك عينيه ببراءة أشفقت عليه, فأرسلت له ابن أختي الذي أصبح ساعدي الأيمن وقال له: بعد ان وضع يده على مقبض سيفه: لم تعد ملكا فعد إلى بيتك ولن نعاقبك.. وارسلنا لوالدته نخبرها بأن ابنها سرق نقود بعض ابناء الحي وان الجميع يتوعدونه بالويل والثبور..وفعلا لم يكن الملك السابق امينا .. طلب الحراس طعاما فمنحتهم الاذن بالذهاب إلى بيوتهم وقت الغداء بعد أن استصدروا مني وعدا بعدم تبديلهم.. أشار على أحد الوزراء الذين كانوا مع الملك السابق بأن اقوم بإصلاحات وتغيير جذري للمؤسسة الفاسدة التي أرساها الملك السابق.. فعلت.. أشار علي بأن أمنع أصحاب صديقي السابق من العودة فعلت.. لكن تبين بعد أيام أن الأمر خطير على ملكي فعدلت عن هذا القرار لأن من شأنه إذا تم تحول ديمقراطي وآلت الأمور الى المعارضة و استقلت العدالة أن يفتح ملفات لا يعلم إلا الله أي ضرر ستلحق وبمن؟ في نفس اليوم أعدتهم, نعم أعدت أولئك الرجال الطيعين وتركت المعارضة مع أحلام أنا من صنعها بتوزيع وعود, كل واحد من قادتها سرها في نفسه وهذا ما كنت أريد.. مملكتي لي, والعسكر لي, والرعية مخدوعة, والمعارضة باقية لأنه لابد من معارضة من أجل "جان ميليس" هكذا كانت مملكتي وأنا طفل صغير لم أبلغ بعد العاشرة, لكن صدقوني لم أنس ما حييت تلك القعدة المريحة لم أنس سجود الحرس والحاجب.. لم أنس ذلك الشعور الذي ما زلت أحسه كلما التقيت أحد أفراد المملكة: "مرحبا مولاي الملك".. أكان أحدكم ينتظر مني التخلي عن الملك ببساطة والذهاب إلى مستقبل غامض أيما غموض!
لقد ضحيت بصديق العمر ولو لم أفلح لقطع رأسي.. أبعد هذا تنتظرون أن أتصرف تصرفا قد يحولني إلى مجرم كصديقي القديم.. أعتقد أنكم من العقل بحيث تفهمون..
بعد عقود أخذني الكبر من مملكة الصبية هذه ولولا الكبر لبقيت فيها مدى ما قبل الكبر..
موعدنا الصبح.
خلف البيت نجد الماء الأحمر (هكذا كنا نسميه) قطرات حمراء في قاع الزجاجة ترمى خلف البيت كل يوم.. نتسابق لنشرب من ذلك الشراب الفرنسي, ونقهقه بعدها, ونتضارب بالأيدي ونسب بعضنا قبل أن نتوجه إلى لعبة "الحرب".
في لعبة الحرب كنا "المماليك" أنا ملك إلحي الشمالي ولكل جهة ملكها.. أما كيف أصبحت ملكا فلأن صديقي ذهب إلى أهله ليشرب ماء وتركني الآمرالناهي..لاحظت أنهم يحترمونني كالملك ففكرت في أنني لا اختلف عنه كثيرا وكنت يده اليمني فلم لاأكون الملك.. أقنعتهم بأن الملك كان يسبهم وأنا لن أفعل, وكان يأخذ منهم مصروف الجيب وانا لن أفعل, وكان يدخلهم في حروب غير مدروسة مع الجيران وانا لن أفعل..تهللت اساريرهم وقالوا وهم يرفعون السيوف والحراب: عاش الملك.. عندما رأيت صديقي عائدا يفرك عينيه ببراءة أشفقت عليه, فأرسلت له ابن أختي الذي أصبح ساعدي الأيمن وقال له: بعد ان وضع يده على مقبض سيفه: لم تعد ملكا فعد إلى بيتك ولن نعاقبك.. وارسلنا لوالدته نخبرها بأن ابنها سرق نقود بعض ابناء الحي وان الجميع يتوعدونه بالويل والثبور..وفعلا لم يكن الملك السابق امينا .. طلب الحراس طعاما فمنحتهم الاذن بالذهاب إلى بيوتهم وقت الغداء بعد أن استصدروا مني وعدا بعدم تبديلهم.. أشار على أحد الوزراء الذين كانوا مع الملك السابق بأن اقوم بإصلاحات وتغيير جذري للمؤسسة الفاسدة التي أرساها الملك السابق.. فعلت.. أشار علي بأن أمنع أصحاب صديقي السابق من العودة فعلت.. لكن تبين بعد أيام أن الأمر خطير على ملكي فعدلت عن هذا القرار لأن من شأنه إذا تم تحول ديمقراطي وآلت الأمور الى المعارضة و استقلت العدالة أن يفتح ملفات لا يعلم إلا الله أي ضرر ستلحق وبمن؟ في نفس اليوم أعدتهم, نعم أعدت أولئك الرجال الطيعين وتركت المعارضة مع أحلام أنا من صنعها بتوزيع وعود, كل واحد من قادتها سرها في نفسه وهذا ما كنت أريد.. مملكتي لي, والعسكر لي, والرعية مخدوعة, والمعارضة باقية لأنه لابد من معارضة من أجل "جان ميليس" هكذا كانت مملكتي وأنا طفل صغير لم أبلغ بعد العاشرة, لكن صدقوني لم أنس ما حييت تلك القعدة المريحة لم أنس سجود الحرس والحاجب.. لم أنس ذلك الشعور الذي ما زلت أحسه كلما التقيت أحد أفراد المملكة: "مرحبا مولاي الملك".. أكان أحدكم ينتظر مني التخلي عن الملك ببساطة والذهاب إلى مستقبل غامض أيما غموض!
لقد ضحيت بصديق العمر ولو لم أفلح لقطع رأسي.. أبعد هذا تنتظرون أن أتصرف تصرفا قد يحولني إلى مجرم كصديقي القديم.. أعتقد أنكم من العقل بحيث تفهمون..
بعد عقود أخذني الكبر من مملكة الصبية هذه ولولا الكبر لبقيت فيها مدى ما قبل الكبر..
موعدنا الصبح.